السبت، 8 أغسطس 2020

مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ

لا تغطي المناهج الدراسية لدينا ولا الوصايا المتفرقة التي ينالها الفرد الناشئ من مصادر شتى تغطية كافية تلبي فيها حاجته للفهم الصحيح والمتزن والمتكامل عن الدين الإسلامي، ذلك الفهم الذي يرتكز على الأصول والمبادئ الكلية للدين والمقاصد العليا في التشريع وإستيعاب ما تمنحه العقيدة الإسلامية من الإجابة الشافية على الأسئلة الوجودية و جوانب تفوق المنظور الإسلامي لمجالات الحياة على غيره من التصورات البشرية. ذلك الفهم الذي يبني لديه الشخصية السوية المنسجمة مع المبادئ الإسلامية والمتفاعلة مع الأمة وقضاياها. 

 إن المراقب لطبيعة الحوارات والنقاشات الدائرة في وسائل التواصل يجد مشكلات عميقة وخطيرة يتمثل بعضها في الإنخراط المبالغ فيه في قضايا هامشية، ونسيان قضايا الأصول والمحكمات التي تجمع الناس ولا تفرقهم. ولا أظن هذا من قبيل ضعف الذاكرة إنما من قبيل غياب تكوين الفهم الصحيح لدين الإسلام المرتكز على المحكمات التي هي أم الكتاب والاستغراق في القضايا الخلافية التي محلها مكاتب البحث في كليات الشريعة أو مجامع الإفتاء . إنك تشعر بالذهول حين ترى حساباً في تويتر أو غيره لديه استعداد أن يناقش في أدق المسائل وأخطرها ، ثم تسأله عن مسأله من الأمور المحكمة تجد الصورة لديه ضبابية أو يسمع منك المعلومة وكأنه سمعها لأول مرة، إذا تتبعت هذه الظاهرة سيروعك المشهد لن تستغرب استلاب كثير من الشباب للشبهات والشكوك أو الاستلاب لأصوات الغلو.. لأنه يفتقد الأرضية التي يجب أن تقف أقدامه عليها. يفتقد التصور الكلي للدين ذلك التصور المبثوث في القرآن الحكيم والذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يزرعه في صاحبته الكرام رضوان الله عليهم. 

ولم يكن مسلم واحد في ذلك الجيل يخفى عليه هذا الفهم الجلي الواضح الذي يعطيه دين الفطرة ودين الإسلام. ولكن الصورة مختلفة في زمننا المعاصر فتجد أن الناس يجدون مالا يحتاجون ويفقدون ما يحتاجون. إن حاجة الناس إلى الاتفاف حول المحكمات والأصول أكبر من غمسهم في تتبع أفراد الشبهات والإشكالات وحلها واحدة واحدة. ولا يفهم من هذا الحديث أن لا تُرد الشبهات أو يفضح المضلون، إنما أريد الإشارة إلى ضرورة عدم اهمال الأساس الذي ننطلق منه ونسيانه وكذلك إلى ضرورة الالتفاف حول المحكمات وتأصيلها وشرحها بصورة متوازنة ودقيقة وبلغة معاصرة فمن شأن هذا أن يهون من الشبهات ويقلل من خطرها ، فالشبهة بالنسبة للجاهل كالمارد الذي يكاد يلتهم عقله ودينه ، أما بالنسبة لمن استقر لديه الفهم الصحيح فإنها تمر عليه كالذباب الذي يهشه فيطير! فلا تحتاج بعدها كل تلك الجهود التي تريد أن تشرح للمسلمين كل شبهة وكيف الإجابة عليها.. 

إن تلك المحكمات تحتاج إلى أن تتكرر على مسامعنا كل يوم. الموضوعات التي تحدث عنها القرآن وكررها كثيراً من الحديث عن التعريف بالله تعالى وأسمائه وصفاته وعلاقتنا به والحديث عن سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وفقهها ومطالعة شمائله وخصاله والحديث عن قدر هذه الحياة والمصير والبعث والحساب والجزاء والعذاب والنعيم ، والحديث عن التفكر في خلق الله الكبير وما صنعه في كوكبنا من النبات والأشجار والحيوانات والشمس النجوم والمجرات، والحديث في مكارم الأخلاق ، والحديث في أعمال القلوب والتزكية والذكر، والحديث عن سنن الله تعالى في الحياة، والحديث عن القضايا الهامة في الأمة من قضية فلسطين وحاضر العالم الإسلامي، وغرس روح الانتماء لأمة الإسلام الكبيرة واحترام الشريعة الإسلامية وفهم مقاصدها ومكارمها  . إن الحديث عن المحكمات والالتفاف حولها وإشاعتها وكثرة تكرارها يمنح الإنسان بصيرة ومناعة عالية ضد أي أخطار تهدد قناعاته الإيمانية وتعطيه حساسية في التفريق بين أهمية الأمور المختلفة والحكمة والبصيرة، وهي قبل ذلك المعبر الأول عن شخصية الأمة ومصدر من مصادر وحدتها، الاتفاف حول المحكمات هو واجب الوقت، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق