الأحد، 9 فبراير 2020

الاستمرارية


فكرت اليوم وطال بي التفكير في هذا السؤال : ما الذي يجعل بعض الناس قد قدموا في أعمارهم الكثير من الإنجازات التي عجز عنها غيرهم؟ هل هو الحماس للعمل؟ أم التخطيط ؟ أم العمل الجماعي ؟ أم حسن الإدارة .. كل هذا مجدي ولا شك لكن وجدت أن هنالك عنصر قل من يلتفت إليه برغم أهميته الفارقة في الإنجازات الكبيرة.. وهو (الاستمرارية).


شاهدت قبل عدت سنوات برنامج تلفزيوني شهير يعرض ظاهرة الاستهلاك وسبل توفير الدخل.. فقابل أسرة نجحت في توفير نسبة كبيرة من دخلها عبر متابعة التخفيضات وجمع كوبانات التخفيض وتتبعها .. فسأل تلك السيدة عن سر توفير ذلك المال الكثير؟ فقالت : الاستمرارية .. على بساطة تلك السيدة فيما يبدوا لي أولاً، وعلى بساطة الموضوع ثانياً وقلة ارتباطه بالأعمال والإنجاز والطموحات وما إليها، إلا أن كلمتها رنت في دماغي منذ تلك اللحظة ، وأشعل في ذهني ذلك المصباح الكهربائي المخصوص للأفكار النيرة!.

ومن جميل ما قرأته اليوم في تويتر حول هذا المعنى تغريدة للمدرب الرياضي مصطفى الفرا يقول ما نصه: "القوة والصلابة الذهنية؛ أنك تقدر تمارس حياتك وتمرينك ومهنتك .. وواجباتك ودورك بالمجتمع؛ حتى وأنت ذهنياً مشتت . أو حتى في وجود مشاكل اجتماعية مهنية صحية، تمرس انك تأدي دورك في محيطك حتى وانت نفسياً وذهنياً مش جاهز، الصلابة الذهنية.. يا اخوان!.. مفتاح الاستمرارية، والاستمرارية مفتاح النجاح"..

وقد صدق هذا المدرب وبرَّ ، ولا أكتمكم سراً أني أحب نصائح الرياضيين وأجد فيها حكمة كبيرة ، لأن تلك الحكمة مستفادة من تجربة ملموسة ومرئية .. ولكن نستطيع توسيع مدلول تلك النصيحة التي أسداها الكابتن مصطفى لتشمل أمور كثيرة في حياتنا ..

رجل يريد حفظ القرآن، يسمع عن الحفاظ وعن أخبارهم فيأخذه الحماس لحفظ عدد من الصفحات في اليوم الواحد يستمر في ذلك لعدة أيام ثم تفتر همته. آخر لديه فكرة لمشروع، بدأ ذلك المشروع وتحمس وأعلنه في وسائل التواصل المختلفة ثم مرت شهور وباع بعض ما لديه وجنى بعض الربح ثم أقفل ذلك العمل. شاب يريد الانتظام في برنامج للقراءة يسمع فيها أخبار القراء والعلماء فيأخذه الحماس فيبدأ بالقراءة النهمة ثم شيئاً فشيئاً تضعف دوافعه حتى ينتهي إلى الانقطاع ..

النجاح في هذه الأمور والخروج بنتائج (تبيض الوجه) يحتاج إلى ما أسماه الكابتن مصطفى (الصلابة ذهنية) .. أو قل : (التزام الحرفي) الذي من شأنه أن يجعل السلوك محفوظاً مطرداً في كل الأيام ، لا يتخلف عنه إلا للأعذار الشرعية المرض والسفر – إن صح التعبير- ، الناجحون دائماً مدينون لأعمال يسيرة يعملونها يومياً ويلتزمون بها في مدة طويلة .. جرب أن تخصص نصف ساعة لعمل تريد إنجازه يومياً والتزم به لمدة سنة كاملة التزاماً حرفياً وستذهلك النتائج ..

وهذا كله ذكرني بحديث النبي صلى الله عليه وسلم وحديثه أصدق الحديث وكلامه أعذب الكلام وأبركه وأحكمه : ( أحب الأعمال إلى الله أدومها ، وإن قل ) ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق