الخميس، 7 يونيو 2018

فهم الحياة

نقضي ردحاً طويلاً من أعمارنا في تعلم تخصص من التخصصات والعمل في مجال محدد من المجالات ، وهذا أمر طبيعي، ويتطور فهمنا لهذا المجال واً بعد يوم لتراكم المعرفة والخبرة وهذا أضاً يتفاوت بين البشر بحسب كمية الجهود المبذولة لتعلم ذلك الإختصاص .

هناك أمر آخر أحق بالعناية به وهو فهم الحياة التي نحيا فيها ، بداية من الأسئلة الكبرى من نحن؟ وماذا نريد؟ ونهاية بالتفاصيل الصغيرة المبثوثة حولنا.. إن فهم الحياة يتطلب فهماً للنفس فالنفس هي المرآة العاكسة التي نرى بها العالم، نفهم طبيعة العقل الذي نفكر به، وطبيعة التصورات عن أنفسنا التي نشأنها عليها، عن الدوافع العميقة التي تحركنا ، عن تاريخنا الشخصي بالحفر في أخاديد الذاكرة  من أيام الطفولة حتى اللحظة الراهنة.

فهم الحياة ينشأ من الإستكشاف ، أن نخرج من العوالم التي تحيط بنا وأن نخترق عوالم أخرى . ومما يصدق عليه هذا الوصف (السفر) وهو حركة في المجال المكاني والآفاق البعيدة ، إن السفر يجعلك تفهم أكثر ، تفهم العالم وتفهم موقع بلدك من هذا العالم ، إن السفر يجعلك تشاهد أمور جديدة وتجمع خبرات كثيرة وتكون علاقات وتشاهد الناس عن كثب على تنوع لغاتهم وطبائعهم وعاداتهم .

يأتي الاستكشاف من الإطلاع الواسع بالقراءة في مجالات كثيرة والخروج من الفلك الضيق الذي يحيط به الإهتمام والعمل ، كالقراءة في العلوم التي تشرح طبيعة المجتمع والدولة والإقتصاد والسلوك الفردي والجماعي وعادات الشعوب ، والقراءة في التاريخ الذي هو حركة في الإنطار الزماني والذي تسرد فيه (قصة الإنسان) حيث تشاهد الدراما الإنسانية وهي تتكرر وتأخذ أشكلاً متعددة ، وتطلع على علوم الطبيعة والكونيات والتكنلوجيا ، لا يدفعك لهذا التعلم دخول امتحان أو عمل مهني لكنه (الفضول) وطلب أمر جوهري وهو المزيد من (فهم الحياة).

ومن روافد الفهم لهذه الحياة هو التجربة إن التجربة تثقف العقل ، وتزيد الفهم ، فالقراءة البحتة تعطيك المخطط التصوري للأشياء، لكنها لا تجعلك تختبرها وتشعر بها فضلاً عن أن تستخدها وتستفيد نها .

فهم الحياة يا سادة يأتي بعد التأمل والتفكر والتدبر ، أن لا نستقبل المعلومات التي نستقبلها على أنها حقائق دون أن نخضعها لاختبار النقد والتمحيص ، أن نتساءل ، أن نحلل الأحداث ، أن نسأل عن الأسباب ونستشرف المآلات ، فبدون التفكير لن يكون إدراكنا لهذه الحياة فهماً أو معرفة فعالة بل استقبالاً جامداً يخرج من الذاكرة كما دخل إليها .

فهم الحياة ليس نقطة نريد الوصول إليها ، إنما هي رحلة مثيرة تدور أحداثها داخل عقولنا ، هذه الرحلة فيها محطات من الإدراك والإشراق والمعرفة ويشوبها أحياناً ومضات من الشك والحيرة ، ولكن بقدر ما تكون ربّاناً ماهراً لتلك الرحلة فأنت ستجني منها الكثير من الكنوز والكثير من البصيرة والكثير الكثير من الحكمة .


هناك تعليق واحد: