السبت، 3 فبراير 2018

القراءة على صياحات الموضة

لم يكن عالم الموضة والصيحات ليقتصر على الأزياء والمكياج التي تقذف موسمياً في الأسواق أو تلك التي في عالم المركبات والسيارات حيث تتسمر أعين الشبان في الموسم الأخير من العام نحو الموديلات الجديد من السيارات المفضلة في العام الذي يليه، أو تلك الصيحات السنوية التي في سوق التقنية والموبايلات والاكسسوارات، ولكنها تمتد لتشمل عالم الثقافة والقراءة والكتب!

نعم يا سادة، القراءة على وقع الموضة ستكون على صورة اقتناء الكتب ذات الأغلفة الزاهية، والعناوين الغامضة، تلك التي يكتبها في أحياناً أنصاف أو أصفار مثقفي السوشال ميديا، وأحياناً تكون كتب دسمة وثقيلة العيار لكن يكون سر ذيوعها أنها جاءت ضمن سلة من الوصايا يتناقلها الناس قبل مواسم معرض الكتاب، لتصورها الفتيات في ساعات الصباح الأولى مع فنجان القهوة وحلوى اللوتس! أو تتداول أوسمه تويتر اقتباسات ممهورة بأسماء مؤلفيها.

لدي رأي ويقبل للأخذ والرد أن القراءة هي حاجة إنسانية قبل أن تكون أي شيء آخر، هي رغبة الإنسان الملحة لاجتراح المجهول، أو رغبته في إجراء حوار مع العقول الكبيرة، أو لتوسيع المدارك، وتطوير آلة الفهم والتحليل، إن ظاهرة انتشار القراءة والبهجة بالكتاب والاحتفاء به في السنوات العشر الأخيرة أمر يسر النفس ويريح الخاطر، لكن لن تكمل البهجة مالم تكن الدوافع للقراءة حقيقية، أو لنقل دوافع حب المعرفة حقيقية ونابعة من حاجات إنسانية أساسية غير مزيفة، لنضمن استمرارها واستدامتها.

أقترح لك في معرض الكتاب القادم ألا تستقبل قوائم للكتب المنصوح بها، ولا تتعب نفسك في سؤال الأصدقاء عن توصيات لكتب بعينها فالكتب التي تلائمك غير التي تلائمهم، إنما اجعل ساعة من وقتك في التجول في صالة المعرض بين الدور، في متعة التفكير والاستكشاف، ما هي هذه الدور؟ ما الفروق بينها؟ ما هي الأمور التي تتخصص بها؟، اترك لعقلك أن يجول في عناوين الكتب ويطلع على الأغلفة، ثم تبدأ تتصفحها وتقلبها وتقارن بينها، وتقرأ الفهارس، تقوم برحلة استكشافية جريئة كما تقوم باكتشاف مقتنياتك العزيزة، أن تتعرف على دوافعك العميقة، وأهوائك الخاصة؟ ماذا تحب؟ ما أسئلتك الخاصة؟ ماذا تريد أن تستكشف؟ وبعد أخذ جولة بين رفوف الكتب والأسفار تكون الصورة لديك واضحة لقائمة أنت من وضعها، ثم لا بأس من الاستشارة بعد ذلك لا سيما في بعض المواضيع ذات الحساسية والخصوصية.

حاول الخروج من دائرة عالم الرواية حتى لو كنت عاشقاً لها، ففن الرواية على جماليته وامتاعه ما هو إلى قطرة في بحر المعرفة والقراءة، وهو يميل أن يكون جانب للترفيه والتسلية وإن كانت هنالك روايات عميقة كتبتها عقول كبيرة، حاول الخروج من تلك الدائرة إلى اجتراح عوالم أخرى في الأدب والشعر والسير الذاتية والتاريخ والفكر وعلوم الطبيعة وعلوم الآلات والتقنية وعلم النفس والاجتماع والسياسة والعلوم الدينية والقراءة في الحقل المعرفي الذي ينتمي إليه اختصاصك أو ذلك الذي تستروح إليه.

القراءة كما ذكرنا رحلة اكتشاف مذهلة، تلبية لحاجات أساسية في ذواتنا، إثراء وتطوير لعقولنا وحيوتنا الذهنية، هي ميدان السباق والتفوق الأول في هذا القرن، قد حان وقت التحول الحقيقي من كونها موضة استهلاكية إلى كونها شغف وصداقة حقيقية مع الكتاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق