الجمعة، 16 فبراير 2018

الإبداع والتنظيم


يشيع بين كثير من الأوساط أن الإبداع مرتبط بالفوضى وأن المبدعون في الغالب فوضويين، تظهر فوضويتهم في مكاتبهم وسياراتهم وأمان العمل ولباسهم وتكاد الفوضى تكون السمة العامة في حياتهم، يعود الأمر كما يزعمون أن المبدع يفكر بحاجة إلى خلخلة التنظيمات القائمة حتى يخرج بأفكار جديدة، وفي الحقيقة أن المقدمة التي بدأوا منها صحيحة لكن لا نسلم لهم بالنتيجة التي توصلوا إليها.

في نظري أن العكس هو الصحيح فإن الإبداع لا يمكن أن يتحقق دون وجود تنظيم عالي، حيث مع التنظيم تأخذ الأمور مجراها الطبيعي ويحصل استقرار واستمرارية في الأداء وتبدأ العملية الإبداعية بالإثمار، ولكن الذي جعلهم يربطون ما بين الإبداع والفوضى هو شرط من شروط الإبداع وهو إنشاء فكرة جديدة والذي هو جوهر العملية الإبداعية، إن إنشاء الأفكار الجديدة مشروط بخلخلة النظم القائمة، أو كسر الأطر السائدة والتنظيمات السائدة التي تحكمنا، بغية إيجاد أنظمة وأطر جديدة أكثر كفاءة وفاعلية.

قارنوا معي بين شخصين شخص منظم يستيقظ بالوقت المحدد، ويصل إلى عمله في الدقائق التي يبدأ بها العمل، ولديه جدول يقسم به يومه، وأكله منظم ويعلم ما يدخل في بطنه، وغرفته الخاصة منظمة فكل الأمور تقع مواقعها الصحيحة، ولديه ورد يومي وعادات يومية مثمرة، قارنوه بشخص آخر يعيش في فوضى أشبه بالمتاهة الكبيرة ، فالوقت لديه سائل ومتفلت وليس له مواعيد ينتظم بها ، وغرفته عبارة عن ركام من الملابس والأوراق  والكتب وعلب البيبسي المكدسة، وعاداته في الأكل والنوم مقلوبة رأساً على عقب، هل يستطيع الأخير أن يكون صاحب إنتاجية وفاعلية فضلاً عن أن يكون صاحب نبوغ وإبداع؟!

إن الشخص المبدع ينظم الأمور ويهتم بالنظام ويعتني به أشد العناية، لكنه يبتكر أطر ونظم جديدة يكسر قبلها النظم والأطر القديمة ، فيعبر مرحلة من المراحل قد تتسم بالفوضى ، لكنها تنتهي بنظام جديد أكثر كفاءة ،

يا سادة لو كانت الفوضى من أمارات الإبداع لكان العرب أكثر شعوب العالم إبداعاً ................. !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق