الخميس، 15 فبراير 2018

داء التعصب


من الآفات التي تصيب التفكير فتجعله ينحرف عن مساره الصحيح المستقيم هو ما نطلق عليه (داء التعصب)، إن التعصب هو شعور كثيف بالذات يقوم بحجب الحقائق، سواء كانت تلك الذات ذاتاً فردية (أنا) أو الذات الجماعية (نحن)، لسلامة التفكير يجب أن يعزل عن الذاتية التي تؤثر في صحة الحكم على الأشياء، سواء كنت أحب هذا الشيء أو أبغضه أو كون الشيء في صالحي أم ليس في صالحي أو كون الشيء مألوفاً بالنسبة لي أم لا، فهذا لا يغير من حقيقة الموضوع شيئاً فالحقيقة ستبقى حقيقة ، سواء نظرنا إليها على الكيفية التي هي فيها أم حالت بيننا وبينها حجب الذاتية، فسوف تبقى هي هي. هنا تأتي أهمية التفكير الموضوعي المنصف الذي يعزلنا عن المؤثرات الداخلية أو الخارجية، كي نرى الأمور على ما هي عليه ونحكم عليها بما هي عليه، دون أن تتأثر رؤانا وتصاب بالعماء والغبش.

قد يتعصب الإنسان لفرد أو شخص كنتيجة لتقديس هذا الشخص وإضفاء العصمة والكمالية على أقواله وأعماله، فيرى أن تصرفاته ومقولاته فوق أي نقد ويجب ألا يطالها أي اعتراض أو نقض ، وقد يكون في صورة تعصب قُطري لوطن من الأوطان يجعل هذا الوطن وشعبه ورموزه منزها استثنائياً بين كل أوطان الأرض، وقد يكون تعصباً مذهبياً حيث ينقلب انتماؤه لمذهب من المذاهب سبيل لادعاء أن كل ما في هذا المذهب صواب وكل ما عداه فهو باطل، وقد يكون تعصب رياضي يكون لأحد الأندية الرياضية ، وقد يكون لأهل مدينة من المدن مما يحمله على إثبات فضائل تلك المدينة دون أي تثبت.

إن الدوافع العميقة للتعصب هي المحبة أو بصورة أدق (المبالغة في المحبة)، فكما يقال: حبك الشيء يعمي ويصم، إن المحبة إذا تجاوزت حدود المعقولية والاتزان أصبحت تؤثر على حكم الإنسان على الأمور، فقد تحاور شخصاً ساعة من الزمن تعطيه من الأدلة والبراهين أن كلامه غير سليم، لكنه يرفض كل تلك الأدلة ليس لأنه يمتلك الدليل الأقوى، لكن يعز عليه مفارقه ما عليه حزبه أو فريقه أو أهله أو جماعته! وهذا أمر في غاية الخطورة خصوصاً إذا تعلق الأمر بتصورات كبرى أو قناعات رئيسية، فحين الحكم على الأمور يجب النظر إلى الموضوع مجرداً وغض الطرف عن الاعتبارات الأخرى من بغض أو محبة أو ولاء.

تتفاقم المشكلة إذا امتد الداء ليصبح تشنيع على الخصوم والمخالفين، وانتهاك أخلاقيات الحوار والتعامل مع الآخرين، فحين يدين شخص بمحبة مجموعة ما، يصبح أقرب الطرق لبيان غيرته وولاءه لتلك المجموعة هي إهانته للمجموعات الأخرى، فهنا يمتد من كون التعصب جناية على الحقيقة، إلى كونه تلوث أخلاقي وسقوط اجتماعي. وحين يسود هذا الداء بين الأطراف ندخل معادلة الاحتقار المتبادل.

إن مما يقتضيه الإنصاف قول الحقيقة إذا ما تبينت، سواءً وافقت الهوى أم خالفته، وسواءٌ وافقت رأي المجموعة محل الولاء أم خالفته، وسواء وافقت رأي الشخص محل المحبة أو خالفته، ويستدعي هذا القدرة على رؤية المعايب ونقاط الضعف في الذات الفردية والجماعية لننزع عنها وشاح التقديس ووهم الكمال، وعدم إنكار مزايا الخصوم والأعداء مهما بلغت العداوة، فهذا هو تمام الإنصاف والقيام لله تعالى بالقسط.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق