الأحد، 28 يناير 2018

آفات التفكير


إن التفكير بوصفه عملية تهدف إلى الانتقال من أمور معلومة إلى الكشف عن المجهولات، وبصفته طريق لحل المشكلات والتوصل إلى قرارات وحلول؛ يقع في أخطاء وهفوات تنتج عكس مقصده، وكانت المبادرات من عصور قديمة في ملاحظة وتقصي ومعالجة عملية التفكير دائمة ومستمرة، وربما كانت من أنجع الطرق لتصحيح عملية التفكير هي الكشف عن الأخطاء والثغرات التي تتسلل من خلالها الأوهام والنظرات المشوهة والمضللة للواقع والحياة، وحينما ندرك أهمية التفكير ومركزه الحيوي في وجودنا، ندرك أن الاسترسال في تلك الأخطاء سيكون أمراً أكثر من كارثي!

أول أخطاء التفكير منبعه أخلاقي بالمقام الأول، وهو اتباع الأهواء والرغبات والميول والسير وراءها، ليست المشكلة تكمن في وجود الهوى في النفس فلا أتصور شخصياً أن بشراً من لحم ودم ليس في نفسه أهواء وأطماع، فالهوى مغروز في النفس البشرية من أصل خلقتها، ذلك الاستعداد البشري لتلقي دواعي الشر وخطرات الشيطان، إنما تكمن المشكلة خلف القرار الذي يتخذه الإنسان في اتباع ذلك الهوى، إن متابعة الأهواء تتمثل في الانسياق وراء الرغبات، لذلك شدد علماء الشريعة النكير على اتباع الهوى في الأخذ بالأقوال في المسائل الفقهية على سبيل المثال، حيث لا يستقيم أصل التكليف بالإذعان للحق مع اتباع الأهواء، وربما تتمظهر الأهواء في صورة التعصب الذي يتمثل بمحبة جماعة من الناس والولاء لها إلى درجة يصل فيها الشخص إلى إثبات فضائل لا أصل لها والمبالغة في الإطراء لهذه الجماعة إلى حدود تقترب من التقديس والعصمة، والإزراء بالخصوم ونزع الاعتراف بأي فضيلة لهم، وهذا يضرب فضيلة الإنصاف والتجرد للحق في الصميم.

في الجانب الآخر من الصورة تكمن أخطاء التفكير في الجهل واتباع الظنون والخضوع للأوهام والخرافات وغياب الدقة في تلقي المعلومات وعدم احترام الاختصاص ووقوع الانحراف المنهجي والمنطقي في عمل العقل، إن الجهل من أكبر منابع الشر في هذه الدنيا، فإذا توقف العقل عن تلقي المعرفة فإنه لا يتوقف عن إنتاج الأوهام!، لذلك كان أهم رافد من روافد تصحيح التفكير هو إثراء الفكر بمعرفة منظمة وهادفة، إذ لا يمكن أن نتحدث عن تصحيح التفكير في بيئة يتم فيها استدبار الكتاب والاستهانة بالعلوم والاكتشافات وفروع المعرفة، والرافد الآخر هو تزويد العقل بآلة منهجية للمحاكمة العقلية، بمعرفة قواعد التفكير السليم من تعلم طرق الاستنباط والاستنتاج والاستقراء والتحليل والتركيب وحل المشكلات.

إن تقصي آفات التفكير لا تكفيه هذه المساحة القصيرة، إنما أردت هنا إثارة الاهتمام بهذه المشكلة على صورة خطوط عريضة جداً، وإن أمد الله تعالى في أعمارنا، سنتحدث إن شاء الله بالتفصيل عن هذه الأخطاء وأساليب المعالجة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق