السبت، 27 يناير 2018

التمحور حول الخصم

لكل فرد منا معشر البشر محور في عقله، تدور حوله الأفكار والمشاعر والسلوكات والقرارات، وقد يتحول إلى نموذج تفسيري شامل لما يدور حولنا، يكون ذلك المحور بمثابة الموضوع المركزي الأول الذي يؤثر على كل مفاصل حياتنا. ماذا يعني هذا الكلام؟

نجد مثلاً أن بعض الناس يكون محورهم جمع المال، فتدور هواجسه وأحلامه حول جمع المال، وكيفية المحافظة عليه، ويفقد شعوره بالأمان تبعاً لتقلب رصيده في البنك، والبعض الآخر يتمحور حول طلبه للشهرة والمنصب، والآخر يتمحور حول علاقة عاطفية، وآخر حول المتعة والمرح، وآخر حول الأصدقاء، وآخر حول الزوجة والأسرة، وآخر يتمحور حول الذات والمصلحة الشخصية، ولسنا نقصد بالمحور هو قدر من العناية المطلوبة بتلك الجوانب لكنه نوع من المبالغة في جانب من تلك الجوانب من شأنه أن يضرب كل التوازنات في حياة الفرد، وتصبح حياته أقرب إلى الخلل وعدم الاتزان.

وهناك ضرب من ضروب التمحور قد لا ينتبه إليه الكثير، مع أنه شائع وكثير وهو (التمحور حول الخصم)، إن التدافع والاختلاف طبيعة في المجتمع البشري، وليس شيئاً غريباً أن يكون للإنسان مخالفين وخصوم ومنافسين وأحياناً أعداء، لكن الحديث هنا عن جعل الخصم مركزاً في الحياة، فيصبح شغل صاحبنا الشاغل هو مراقبة تحركات خصمه على الدوام، ويصبح طيلة الوقت يفكر في كيفية الرد عليه وإفحامه، مما يخلق نوعاً من التأزم النفسي لصاحب تلك النزعة، ويجعل شعوره بالأمان والاطمئنان متقلباً حسب تحركات ذلك الشخص الخصم، ويستجيب لذلك سلوكه وقراراته فيجعلها وفقاً لما يكون سبباً في تقويض خصمه، وربما نزع إلى ما يسمى (بالاعتماد المضاد)، حيث يقلد الخصم في تحركاته وأفعاله، حتى يستطيع أن يكون نداً له، وربما تعمد اقتناء الكثير من الممتلكات فاشترى سيارة أو جوالاً أو امتلك عقاراً حتى يغيض ذلك الخصم ليس إلا.

ويصبح على الدوام ممتلئ بالطاقة السلبية التي والحسد والحقد والغيض ، ويغضب لأتفه الأسباب ، ويصبح أسيراً لتلك الحالة، مكبلاً بها، يستنفد الطاقة والقوة التي يسير بها حياته، فيزداد ضعفاً وكلالة يوماً بعد يوم، فكل يوم تحرق تلك المشاعر كبده وقلبه، ويعاني من حوله من هذا مزاجه الرديئة وشخصيته المضطربة.

يقع كثير من الأشخاص من حيث لا يشعرون في أسر تلك الحالة، ولا يتم حسمها ومعالجتها إلا بالاعتراف بها أولاً، وتحويل التمحور حول ذلك المركز إلى مركز آخر، لا يوجد باعتقادي مركز يستحق أن يتمحور حوله الإنسان كمركز القيم والمبادئ الإيمانية والأخلاقية والسعي والتطلع الدائم إلى مرضاة الله عز وجل، إن التمركز حول هذا الجانب لا يكسب الإنسان الفضيلة  فحسب ، إنما يجعل حياته أكثر سوية، وأكثر استقامة واطمئنان وثقة، ويخلصه من شوائب تسلط المشاعر السيئة والأفكار الرديئة، ويمنحه الطلاقة والتحرر في سيره في هذه الحياة، وهو قبل هذا وبعده السبيل الوحيد للفلاح في الدنيا والآخرة.

نستطيع القول أن التمحور حول الرسالة والدين الذي أنزله الله، يجعل القرب من الله هو مصدر الأمان والاطمئنان، ويجعل الحب تبعاً لما يحبه الله وهو الخير المطلق، والبغض تبعاً لما يبغضه وهو الشر المطلق، والمحرك الجوهري والثابت والعزيز هو طلب رضاه ومحبته والقرب منه والفوز بجنته، والضابط للسلوك ومصدر التوجيه والإرشاد هو الطاعة والاستقامة، ويجعل للقيم الأخلاقية واعظاً داخلياً، يعين على حياة أكثر استقامة واتزان وفاعلية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق