الأربعاء، 24 مايو 2017

مدرسة الإدارة العلمية


تعتبر الإدارة العلمية من أهم المدارس الكلاسيكية التي قدحت شرارة علم الإدارة لتتحدد ملامح هذا العلم وتتنوع تطبيقاته وتنتشر وتترك بصماتها في حياة الناس . كان فريدريك تايلور المهندس الأمريكي الذي يعمل في شركة ميدفيل للصلب بفيلاديلفيا يفكر في أسلوب وطريقة يتم بها زيادة الإنتاجية والاستفادة من كل الموارد والإمكانات ، وكان يشعر أن في المنهجية العلمية التجريبية سبيل لتحسين مستوى الإنتاجية فقام بتجارب موسعة خلص منها إلى مجموعة آليات تجعل الإنتاجية في تزايد مطرد.

فريدريك تايلور (1856-1913)
ظهر لتايلور في سنة 1903 م كتاب (إدارة الورشة) وذلك بإشراف الجمعية الأمريكية للمهندسين الميكانيكيين، ووضع في الكتاب مستويات الأداء المعيارية للعمل ، وكانت هذه الدراسات ثمرة تجارب ناجحة قام بها تايلور بنفسه بين في ثمانينيات القرن التاسع عشر في شركة ميدفيل .

وضع تايلور مستويات الأداء المعيارية للعمل في ضوء تحليله والدراسة العلمية للوقت والحركة time and motion study  ولاحظ أن في كل علمية يقوم بها العامل (حركات بسيطة) يمكن تحليلها وقياس الوقت باستخدام ساعة توقيت (كرونومتر)، وذلك بغية التوصل إلى (الطريقة  المثلى) the best way للأداء . وكان الهدف من هذه الدراسة هو التوصل إلى تحقيق الكفاية الاقتصادية وبلوغ أقصى إنتاجية بأقل تكلفة مالية وبشرية.

كان الاعتقاد السائد في ذلك الوقت أن هناك تعارض بين هدف صاحب العمل وهو تحقيق الربح وبين رغبة العمال في زيادة أجورهم لأن زيادة الأجور ستؤدي إلى زيادة التكاليف وبالتالي تخفيض أرباح المشروع . جاء تايلور ليكسر هذا الاعتقاد  فكان دائماً يشير أن هدف الإدارة هو  تحقيق أكبر رفاهية ممكنة لرب العمل مصحوبة بأكبر رفاهية للعامل . والتوصل إلى ذلك لا يكون إلا عن طريق واحد وهو زيادة إنتاجية العامل بالطرق العلمية، فأحدث بذلك (ثورة عقلية) لدى الإدارة والعمال، بحيث تم التخلي عن المفاهيم القديمة في الإدارة القائمة على التجربة والخطأ وإحلال الأساليب العلمية محلها.

قام أسلوب الإدارة العلمية على جملة من الخطوات و المفاهيم منها:

عامل ميكانيكي بشركة تعمل وفق استشارات تايلور 1905
  1. البحث عن أحسن طريقة ممكنة لأداء أي عمل وتحديدها. وترشيد وتوصيف كل حركة تدخل في تكوين أي عملية .
  2. اختيار أفضل الأشخاص ملاءمة للعملية حسب استعداداته العقلية والجسدية والمهارية.
  3. تدريب الشخص بدقة عالية على طريقة الأداء المعتمدة والمختارة .
  4. توفير جو من التعاون بين (الإدارة) و (العمال) بدلاً من الصراع والتناقض لإنجاح المشروع وتحقيق مصلحة الطرفين .
  5. فصل وظيفة التخطيط والإشراف عن وظيفة التنفيذ والتشغيل.
  6. تطبيق الأخذ بنظام الإشراف الوظيفي functional supervision بحيث يقسم العمل على مجموعة مشرفين متخصصين يوجهون العمال وبذلك يتعدد يتلقى العامل الواحد تعليماته من أكثر من مشرف مباشر ويتعدد المشرفون كل حسب تخصصه الوظيفي .

ونتيجة لتطبيق نظرية الإدارة العلمية التي صعد نجمها في مع بداية القرن العشرين لدى الشركات الرأس مالية والاغراءات التي جعلت من الشركات تطبقها بطرق غير إنسانية تمتهن كرامة الإنسان وتعتبره بالتالي (آلة بشرية) تقوم بالإنتاج ، يتم تزويد هذه الآلات البشرية بالوقود (المال) لاستمرارية العمل ، بصرف النظر عن الجوانب الإنسانية والسلوكية للعامل ، وبعيداً عن استخدام الحوافز المعنوية والحاجات الطبيعية أوقات الراحة والعلاقات داخل المؤسسة . وهذا كله جعل النقابات العمالية في الولايات المتحدة الأمريكية تثور ضد حركة الإدارة العلمية وقوبلت الحركة بمقاومة اجتماعية عنيفة ومما يعبر عن الاستياء الشديد من حالة العامل في ذلك الوقت على سبيل المثال ظهور فيلم (الأزمنة الحديثة) لتشارلز شالبن الذي كان أحد أعظم أفلامه ويصور حالة العامل والامتهان الذي يمارس عليه بطريقة كوميدية ودرامية بارعة ، مهدت هذه المقاومة في ما بعد لظهور مدارس الفكر الإنساني في الإدارة وهذا ما سنبسط فيه الحديث إن شاء الله في مقالات لاحقة.

لم يكن تايلور وحده هو المنظر لمدرسة الإدارة العلمية وإن كان الأبرز بلا شك؛ لكن هناك مجموعة من المناصرين لهذه المدرسة من أمثال فرانك جلبرت وزوجته ليليان الذين قاموا بتطوير وتنمية أفكار تايلور وقاما بدراسة عامة لـ (ظاهرة الإجهاد) في المصنع. ومن أمثال هنري جانت الذي ابتكر نظم للحوافز التشجيعية وصمم ابتكار عظيماً آخر وهو أسلوب مبسط وبديع للتخطيط والرقابة للمشاريع عرف باسم (خرائط جانت) لا يزال يستخدم إلى اليوم في أرقى المشاريع والمؤسسات، وعلى الله قصد السبيل. 

______________________________
الفكر الإداري الإسلامي والمقارن، حمدي أمين عبدالهادي، دار الفكر العربي.
أصول الإدارة. د. سمير عسكر، دار القلم 1983 هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق