تقنية لترشيد القرارات

وهذه تقنية عقلية قام بتطويرها علماء وأساتذة من مشارب متعددة من علماء النفس والباحثين في الدراسات الإدارية والتنظيمية لترشيد عملية اتخاذ القرارات . سواء كان ذلك القرار في قاعة مجلس الإدارة أو مكاتب الوزارات أو للطلاب الذين يريدون تشكيل مستقبلهم أو زبون يريد شراء سيارة من المعرض . هذه التقنية تعمل في كل الحالات على ترشيد عملية صناعة القرار وتوفير الكثير من الوقت والحيرة والطاقة النفسية.

يبدأ الأمر بعد استحضار الموضوع المراد معالجته والغاية التي يريد صاحب القرار الوصول إليها وملامحها ، بإجراء عمليات واسعة النطاق للبحث والتنقيب عن المعلومات ذات الصلة . تتناسب جودة القرار طردياً مع الجهد المبذول في الوصول لمعلومات أكثر وفرة ودقة ومصداقية و أقرب في درجة علاقتها بالموضوع المبحوث .

ثم ينتقل صاحب القرار هنا إلى طور جديد وهو توليد بدائل متعددة لتصور المسارات والمآلات التي ينتهي إليها كل بديل ثم القيام بموازنات دقيقة بين تلك البدائل . إن تصور أكبر عدد ممكن من البدائل ثم توفر ملكة عالية في الموازنة يساهم في تصويب مسار القرار ليستقر إلى وجهة أقرب للصواب .

حيثم يتم لصاحب القرار التصور الممتاز للبدائل المحتملة يعمد إلى شطب البدائل الأضعف بناءاً على مطابقتها أو مقاربتها على الأقل للمعايير الذي قام بوضعها . فيعمل على قص وتشذيب البدائل حتى يصل إلى بدائل وخيارات محدودة صمدت أمام المعايير التي وضعها ويقترح المختصون أن تكون 3 بدائل كحد أعلى.

نأتي الآن لعملية هي الأكثر خطورة وحساسية وهي عملية (الاختيار) والتي تمثل جوهر اتخاذ القرار . فنعود إلى المعايير لتدلنا من جديد على أكثر البدائل مقاربة للقرار الصائب بإجراء موازنات أخرى أكثر دقة وبعملية متأنية يتم اصطفاء القرار النهائي.

بعد التقرير يتم التنفيذ بطبيعة الحال بناءاً على ما تم اقراره وهذا يتطلب مسبقاً القدرة على انفاذ القرار القدرة الأدبية وهي امتلاك السلطة و النفوذ أو القدرة المادية أو كلاهما كما في بعض الحالات .

أثناء جريان عملية تطبيق القرار وتحوله إلى سلسلة من الأنشطة والإجراءات يحصل أحياناً أن يكشف القرار عن بعض جوانب قصوره ، بسبب الغموض الذي يكتنف أي عملية اتخاذ القرار أو تنبؤ .

ويحصل أحياناً بسبب ديناميكية الواقع والمتغيرات أن يحتاج إلى إعادة النظر فيما أقدم عليه، وهنا أحب أن أشير إلى نص فريد لأمير المؤمنين عمر ابن الخطاب عندما أرسل رسالة لأبي موسى الأشعري رضوان الله عليهم جميعاً قال فيها ( لا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق فإن الحق قديم يبطله شيء ، وإن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل ).

وهنا يجب أن يصير صاحب القرار إلى التفاعل الحي مع معطيات الواقع وتغيير جوانب من القرار أو العدول عنه إذا تطلب الأمر هذا . ونرى في هذا النص العمري ضرورة عدم الجمود على الرأي أو الخطة مع مراعاة أن يكون التغيير واعياً وراشداً وليس مجرد استجابة استسلامية للواقع إنما تفاعل حي ويقظه مستمرة لتصحيح المسار.

ويحدث في أحيان أخرى أن يكون انحراف أثناء جريان التنفيذ عن المسار المعتمد للقرار ، وهنا تبرز أهمية المتابعة والمراقبة المتواصلة والتصحيح لردم الفجوة بين الأداء والم والمعيار لكي يسير القرار بثبات واطراد حتى يبلغ الغاية.

وفي الأخير نحب الإشارة إلى أنه من المهم لصاحب القرار كفرد مسلم أن يستحضر البعد الغيبي والمنظور الإيماني ، فيستعين بالله ويستخيره على الأمور التي يعزم عليها ، ولله الأمر من قبل ومن بعد.


تعليقات

  1. الكثير من الشركات والبنوك.. تعمد حاليا لعلم التنقيب عن البيانات data mining لتحليل الكم الضخم من البيانات والخروج بقرارات سريعه واحيانا قد تبدوا غير منطقية.. ايضا عالم الذكاء الاصطناعي و تعليم الاله machine learning هو تغير عظيم في منظور كيفيه الاستفاده من البيانات وجعل الكمبيوتر يقوم بعملية الربط المعقده في ما بينها واعطاء قرارات مباشره بل والتفوق على الانسان بذلك..

    ردحذف
  2. صدقت أسامة ، مع انفجار المعلومات أصبحت التقنيات البرمجية في اتخاذ القرارات تتقدم تقدم مذهل مثل الأمور اللي تفضلت بها . وإن كنت أرى أنها تعين على اتخاذ القرارات أكثر من كونها تتخذه عوضاً عن الانسان ، خصوصاً القرارات التي تتعلق بالبعد الإنساني والاجتماعي ، اما التي تتعلق بالبعد الهندسي والصناعي والتقني فهي تحرز تقدماً مذهلاً دون شك .

    هلا فيك

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أمام النافذة

القراءة العمودية

التنظيم العضوي