السبت، 24 ديسمبر 2016

مكونات النشاط المؤسسي


مدخل


منذ فترة ليست بالقصيرة كانت لدي عناية خاصة بموضوع النشاط المؤسسي وكنت أنوي أن أخط فيه مقالاً يوضح الأهمية التي يحتلها هذا الموضوع في سياق التنمية والتحول الحضاري، بالإضافة إلى أبرز المكونات التي تشكل معالم هذا النشاط، ووفاءاً بما عاهدت به نفسي، وتدارساً مع أصدقائي قراء مدونتي الكرام ؛ فلأسمي بالله ولأبدأ بـ:



عصر المؤسسات

يبدوا أننا في عصر كهذا نعيش زمن التكتلات الكبرى والأعمال المؤسسية العملاقة، وتزايد وكثافة مؤسسات المجتمع المدني نقلت النشاط المجتمعي إلى نطاق منظم ومخطط له، وكذلك النشاط التجاري في عالم السوق والاقتصاد نجد أن المشاريع العفوية التي تدار بالطريقة التقليدية تشهد تراجع وانحسار لحساب الشركات المؤسسات المنظمة والمدارة بالطرق الحديثة، وسيكون القائمين على المشاريع محظوظين إذا نالوا ما يكفي من المفاهيم والمعارف التي تطلعهم على شيء من بنية التكوين المؤسسي والعناصر التي تتمحور حولها، حيث أن إدراك مكونات النشاط المؤسسي تساعد على البناء الصحيح للمؤسسة عند نقطة الانطلاق، بالإضافة إلى التمكن من امتلاك أداة لتقييم أداء المؤسسات، وهذه المكونات من 11 عنصر موزعة على 3 مجاميع ، المكونات الأساسية ، مكونات البنية التحتية ، المكونات التكميلية ، ونبدأ بالمكونات الأساسية.



أولاً: المكونات الأساسية

وهذه المكونات الأساسية التي تشكل الأركان والقواعد التي لا غنى عنها في أي مؤسسة والتي لا تخلو منها منظمة احترافية أياً كانت ، وهي الاستراتيجية والقيادات والأعضاء والنظام.

الاستراتيجية

يعني وجود الاستراتيجية ؛ توفر خطط مرسومة لتحقيق هدف معين على المدى البعيد في ضوء الإمكانات المتاحة . على المدراء في المؤسسة وضع (الرؤية) وهي عبارة عن الصورة الذهنية لمستقبل المؤسسة في زمن محدد ، ويختلف مدى ذلك الزمن بحسب طبيعة المؤسسة وتفضيلات الإدارة لكنه في العادة يكون بين 5 إلى 20 سنة ، فيتم وضع الصورة الذهنية في شكل أهداف محددة ومختصرة ومؤقتة بزمن معين ومقدار معين ، ثم على أساس تلك الرؤية تبني الأهداف جميعاً في ما يتعلق بالموارد المالية والبشرية والإنتاج والتسويق . وهذه الاستراتيجية بمثابة خطة شاملة للمؤسسة يستهدي بها الإداريين لتوجيه النشاط وتنسيقة حتى يتم الوصول للمخرجات المطلوبة.

القيادات

إن توفر قيادة قوية وملهمة عنصر مهم وجوهري، وينبغي أخذ مسألة اختيار القادة وتدريبهم أولوية لدى المؤسسة ، بل من الأفضل وضع نظام واضح لاختيار القادة مبني على اختيار الأكفأ والأقدر على القيام بأعباء العمل بشكل فعال ، ويجب أن يتوافر لدى القائد جملة من المهارات كالقدرة على بناء العلاقات والقدرة على اتخاذ القرارات وحل المشكلات العويصة والمزمنة كما تتوافر ليه القدرة على التخطيط ومتابعة الأعمال ورعاية المبتكرين وتحفيز العاملين .

الأعضاء

والأعضاء هم جملة العاملين والموظفين، وكذلك يدخل في المؤسسات التعليمية الطلبة في المدارس والجامعات في مسمى الأعضاء باعتبار أنهم ملتزمين في المؤسسة ، وتنظيم هؤلاء الأعضاء وإدارتهم ورعايتهم وإعطاؤهم كامل حقوقهم أحد أهم عناصر النشاط المؤسسي لأنهم هم الروح الحية والفاعلة والقوى المنتجة في المنظمة ، لذلك وجب العناية بوضع نظام للاختيار والتعيين والعضوية ، وأيضاً نظام للتقييم ، وآخر للترقية والفصل والعقوبات ، والعناية بتكريم المتميزين ورعاية الموهوبين .

النظام

وجود لوائح وسياسات وأنظمة للعمل هو ما يحول العمل من عمل عفوي فردي إلى عمل مؤسسي منظم ، يجب هنا أن يكون للمؤسسة في بداية الأمر اعتبار رسمي وقانوني بأن تمتلك الترخيص لمزاولة نشاطها ، ووجود نظام أساسي للمنظمة ، وهيكلية تنظيمية واضحة ومعتمدة ، وتوصيف لجميع الوظائف يتم فيها بيان المهام والمسؤوليات والأعمال ، بالإضافة إلى لنظام جودة العمل والمخرجات ، وتوضيح إجراءات العمل ومسارات العمليات والخدمات ، ومن الجيد مراعاة وجود مرونة في تلك الأنظمة وأن تكون هذه اللوائح مشاعة للموظفين لمن أراد الاطلاع عليها لتعزيز أجواء الشفافية والمصداقية .



ثانياً: مكونات البنية التحتية

كل مكونات النشاط المؤسسي يعتمد على البنية التحتية وهي ما يبنى عليها جميع الأنشطة ، وقوة ومتانة هذه البنية التحتية تنعكس على نحو مباشر في قوة متانة المؤسسة نفسها ومستوى العمل فيها وهي تشمل مكونين هما:

بيئة العمل

ونعني ببيئة العمل المبنى أو المقر أو المكان الذي سيمارس فيه النشاط (المكتب مثلاً) ، ولبيئة العمل أثر نفسي مباشر على كفاءة الأداء فينبغي العناية في المبنى من نواحي كثير كالنظافة والتكييف والإضاءة وسعة المكان والأثاث الملائم والجميل والمريح ، وتوافر كافة الأدوات والمستلزمات كالكمبيوتر والطابعات والهواتف وأوراق الطباعة ، ووجود غرفة للاجتماعات ، ومكان جيد لاستقبال الزوار ، وغيرها مما هو معلوم . وكما قال تشرشل : نحن نصنع مساكننا ثم تصنعنا مساكننا! وكذلك في أماكن العمل والإنجاز .

الموارد المالية

يحتل الجانب المالي الأهمية الكبرى في كل منظمة ويحظى بالاهتمام الأكبر والأبرز لاعتبارات كثيرة، وحيث أن أنشطة المنظمة تتأثر بقوة هذا الجانب أو ضعفه. لا ينبغي مهما كانت الخطط طموحة ومحكمة ومهما كانت كفاءة الأعضاء والقيادات إغفال هذا الجانب ، لأنه يمثل ماء الحياة لها ، وتفيدنا التجارب وقصص النجاح والفشل بأن العديد من المؤسسات انهارت وخرجت من السوق بسبب الإفلاس وسوء التدبير المالي . والعديد منها ازدهر وتقدم بسبب حسن التدبير المالي والذكاء في إدارته والتصرف فيه .

من المعتاد أن يكون للمؤسسة ميزانية سنوية وهذا أمر مهم ، وكذلك ميزانية تقديرية للسنة القامة ، وخطة خمسية ، وأن يكون هنالك تدقيق مالي من جهة خارجية معتمدة ، ونظام محاسبي متكامل مع بقية الأنظمة ومرتبط بقاعدة البيانات الحاسوبية ، ويجب على الإدارة أن تحقق نمو متزايد في الإيرادات، وأن لكون لدى المؤسسة نظام واضح للصرف المالي .



ثالثاً: المكونات التكميلية (معززات التنافس)

وهذه المكونات هي بمثابة (خلطة خاصة) ، متركبة من مزيج إبداعي يمنح المؤسسة طاقة إضافية لاكتساح منافسيها . وحسب توفر تلك المكونات وشدة تعزيزها يكون الإقلاع المؤسسي وكسب السبق في التنافس بين المنظمات من نفس مجال العمل، وأولها:

التسويق

ويتعني هذا المجال بتوفير وسائل فعالة لإيصال المنتج أو الخدمة إلى العميل والمستفيد، ويتم هذا من خلال الترويج والإعلان عن السلع والخدمات، ويشمل كذلك توزيع المنتجات وإيصالها للمستفيد، وإدارة تسعير المنتجات والخدمات بشكل واقعي ومنصف، وخدمة العميل ورعايته على أحسن وجه بصفته المنتفع النهائي من مخرجات المؤسسة.

التدريب

التدريب! وما أدراك ما التدريب.. من منا لم يسمع عن الدورات التدريبية التي انتشرت في مطلع القرن الواحد والعشرين انتشار النار في الهشيم؟ ، التدريب ابتكار عبقري من الطراز الرفيع ، وبغض النظر عما يقال هنا وهناك من نقد موجه له ، إلا أننا لا نملك إلا أن نقول أنه المهماز الأكثر أهمية لكفاءة الموظف ، وتعزيزه بسلسلة من المهارات المتقدمة ، التي تنعكس بشكل شبه مباشر على عمله ، بشرط أن يتم بطريقة جيدة وفعالة ، من المهم في هذا السياق أن نذكر أنه يجب أن ينال جميع الموظفين حظوظهم من الساعات التدريبية في السنة فهذا هو المعمول به في الدول المتقدمة. يقترح أحد الخبراء أن ينال كل الموظفين المكتبيين والقياديين ما 45 ساعة تدريبية في السنة والموظفين المهنيين 15 ساعة تدريبية على الأقل ، كما يقترح تخصيص 3% من الميزانية لصالح التدريب ، ومن الهام كذلك أن نقول أن التدريب ليست مسألة هامشية قليلة التأثير في كفاءة العمل، وإن كنا لا نسلم أنها من الضروريات التي لا يتم العمل إلا بها ، لكنها على أية حال  كبيرة التأثير لمن أراد المنافسة والتفوق.

الابتكار

التقاط الأفكار غير المألوفة ، والاحتفال بالأفكار الجديدة ، وتشجيع التفكير الابتكاري ، هي الوضعية الأكثر ملاءمة لتفجير الطاقات وتعزيز المنافسة ، لا يرتبط الابداع بالذكاء لكنه يرتبط بالطلاقة في توليد الأفكار والاحتفاء بها ، والسماح ببعض المقترحات مهما تكن غريبة بعض الشيء ، والنظر إلى الأمور من زاوية غير مألوفة . فهو في نهاية المطاف نمط من التفكير يتم توفيره في المؤسسة وتشجيعه بدل قمعه ، الابتكار والتفكير الخلاق من الملكات المغروسة في بني البشر تظهر عند رعايتها وتوفير المناخ الملائم لها وتحفيز نموها ، والابتكار يتطلب نفس طويل ووقت وقوة مفكرة وخيال خصيب وبيئة لا تقمع الأفكار. من الجيد أن يظهر الابتكار بجلاء على المنتجات وأسلوب الخدمة والأسلوب الإداري والتسويق وأن تولي المؤسسات عناية خاصة به.

التقنية

لا يكفي أن نقول أن التقنية اليوم أصبحت أداة فعالة في توفير الوقت ورفع الكفاءة ، لكن لنا أن نقول أن من يعتمد على العمل اليدوي وحده اليوم فهو يحرم نفسه من فرص عظيمة يستطيع أن يحقق من خلالها أضعاف أضعاف الأرباح والمنافع! توافر اليوم مئات الآلاف من التطبيقات التي بإمكانها تعزيز كفاءة الاتصال وخدمة العملاء وإدارة الأموال وتخزين البيانات والإجراءات الإدارية بل وتطورت منها مفاهيم عظيمة مثل مفهوم (تخطيط موارد المنشأة) الذي يضع كل أقسام المؤسسة في نظام حاسوبي متكامل فالنظام المالي والبشري والإنتاجي والشرائي مرتبط في نظام واحد ، هذا غير أنظمة التوصيل واللوجستية وأنظمة إدارة المشاريع والجدولة التي سهلت على المؤسسات أعمالها ، فينبغي أن لا تخشى المؤسسة من السخاء في الإنفاق على التقنية بشرط معرفة الجدوى منها ودراسة ما توفره من ميزات ومنافع .

الجودة

ربما كان الأمر الذي يدفعنا باتجاه شراء سيارة دون الأخرى أمر آخر غير تسويق السيارة أو شكلها أو التقنية التي فيها بقدر ما يكون جودة صناعتها وعلى هذا الأساس ترفع مصانع السيارات أسعار سياراتها حسب جودة العملية الإنتاجية وجودة المواد المستعملة في التصنيع ، وهذا المثال ما هو إلا للتقريب وتوضح أهمية العناية بالجودة وتوفير شروطها ، ينصحون دائماً بإخضاع المؤسسة لاختبارات الجودة مثل الآيزو أو سيغما 6 وهي اختبارات مشهورة ومعتمدة عالمياً . فمن المهم العناية بجودة المنتج وجودة الخدمة المقدمة للعميل فهذا من أهم عناصر اكتساح المنافسين . والله الموفق .



مخرج

يقول بيتر دراكر: إن المجتمع الخبير هو مجتمع المؤسسات ، والذي تمارس فيه جميع المهام الاجتماعية من خلال –ومن داخل- المؤسسات.




________________________________
مراجع: - أصول الإدارة د. سمير عسكر دبي: دار القلم ط.سابعة 2005 م
- أساسيات بيتر دراكر بيروت: مكتبة لبنان ناشرون ط. أولى 2011 م
- المؤسسية د.طارق السويدان الكويت: الإبداع الفكري
- مقدمة لمشروع النهضة أ.د عبدالكريم بكار الرياض: دار وجوه ط.الأولى 2014 م

هناك تعليقان (2):

  1. "المجتمع الخبير هو مجتمع المؤسسات ، والذي تمارس فيه جميع المهام الاجتماعية من خلال –ومن داخل- المؤسسات "
    اعتقد بان تحويل كل الخدمات الحكوميه لعمل مؤسسي اهلي مبني على المنافسه للافضل هو الحل لكثير من مشاكل الدول العربيه.. مقال جميل.. شكرا لك يا ابو عابد

    ردحذف
  2. هو كما تفضلت صديقي، خصخصة المؤسسات الخدمية يساعد في نمو البلد ، بالاضافة إلى تعزيز العمل الخيري والتطوعي والوقفي فهو يسد الفجوات التي لا يستطيع القطاعين العام والخاص ردمهما .

    وعلى أية حال ، كلما كان تدخل الحكومة أقل وحجمها أصغر كان هذا مؤشرا صحياً لأن المجتمع قائم بدورة ، وكل ما كان حجم الحكومة كبيراً دل هذا على عدم كفاءة مؤسسات المجتمع .

    دمت بود.

    ردحذف