الخميس، 13 أكتوبر 2016

كلام في الكلام ...

نحن مدينون لهم ، إنهم لم يعطوننا مالاً ، أو ينعموا علينا بهدية ملموسة ، إنهم لم يزيدوا على أن أكرمونا بجمال معشرهم ، وطيب ألسنتهم ، وعذوبة كلماتهم التي فاضت كشلال لطيف على القلوب ، تنعكس عليه أنوار الود وأقواس طيف المحبة!.

كلما ارتقى الإنسان في سلم التحضر ؛ توقع من غيره لطفاً أكثر واحتراماً أكثر ، ولباقة في الحديث ، وحسناً في المعاملة . ينفر الإنسان من التوحش ، والفظاظة ، واللامبالاة ، فضلاً عن بذاءة الكلام ، وسقَط الألفاظ . إن ما تصنعه الكلمة أكثر مما نتصور! ، بكلمة واحدة تُشن الحروب وبكلمة تضع الحروب أوزارها ، وبكلمة يرتبط الحبيبين ليبنيا أولى لبنات الأسرة ، وبكلمة ينقض صرح الأسرة ، بكلمة يدخل الإنسان الجنة ، وبكلمة يخرج منها .

طيب الكلام كرم ، لكنه ليس كالكرم ؛ إنه رصيد لا ينضب ، تنضح به الأرواح الطيبة من غير توقف ، حين يعجزها عطاء المال ، يقول الشاعر :

لا خيل عندك تهديها ولا مال           فليسعد النطق إن لم تسعد الحال

قالوا : إنك حين تقول الكلام الجميل فإنك كمن يرش عطراً فلابد أن يصيبك بعض رذاذ العطر ، فإنك ستسعد به كما يسعد به سامعه ، مع شعورك بتأنق روحي منبعه السعادة بالعطاء التي هي أكرم من سعادة الأخذ . قالوا - أيضاً- : على جبين كل إنسان لاصقة مكتوب عليها (أرجوك اهتم بي) ، الناس تحب الذين يصغي إلى بوحهم ، ويمتلك الذكاء الذي يتفهم به دوافعهم وظروفهم ، وهذا يكون عن طريق حسن الإنصات ، ليس الإنصات السلبي ؛ الذي يكتفي بالصمت لمجرد انتظار الدور بالحديث ، إنما إنصات محاولة التفهم و (التقمص العاطفي) إن صحت التسمية .

في وحي الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وتراثنا العظيم ، تزدحم المعاني والعبارات التي تحث الناس على أن يرتقوا بكلماتهم وويتلطفوا مع بعضهم البعض ، نجد هذا مثلاً في الآية الكريمة التي تستحق أن توضع شعاراً في الحياة ، وتعلق في كل مكان في المنزل والمدرسة والمستشفى ألا وهي : "وقولوا للناس حسنا" . ولاحظوا لم يقل سبحانه وتعالى وقولوا للمسلمين حسناً ، إنما (للناس) ، المسلم والكافر ، البر والفاجر ، فالكلمة الطيبة ليست مختصة لدين دون دين ، أو فئة دون فئة ، فهي للصغير والكبير ، للذكر والأنثى ، للرئيس والخادم . ويُروى عن عمر الفاروق رضوان الله عليه : "لولا ثلاث ما أحببت البقاء في هذه الدنيا .... وذكر منهم : مصاحبة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما يُنتقى أطايب الثمر!".

من الجميل أن نعود ألسنتنا على كلمات ، مثل : لو سمحت .. لطفاً .. نورت بقدومك .. الله يسعدك .. مشتاقين لكم .. صباحك خير .. وغيرها من العبارات التي تدخل السرور على قلوب الناس ، و أن ندرب أنفسنا على طلاقة الوجه وانبساطه والابتسامة الصادقة الصافية ، وأن نتعود على كلمات المديح والثناء والتشجيع والسؤال عن الحال . ونبتعد عن جمود المشاعر واللامبالاة بمشاعر الآخرين .

آن الأوان يا رفاق أن نرتقي بعباراتنا ، وأن نضفي لمسات خاصة في التعامل مع بعضنا البعض ، فننشر السعادة في من حولنا ، ونغتبط بمشاعر العطاء والنبل التي تريح الضمائر وتفجر ينابيع الأجور ، وترضي الباري جل وعلى . طابت حياتكم .

عبدالله العريفي
الخميس 12 محرم 1438 هـ

هناك 5 تعليقات:

  1. "بكلمة تشن الحروب وبكلمة تضع الحروب أوزارها ، وبكلمة يرتبط الحبيبين ليبنيا أولى لبنات الأسرة ، وبكلمة ينقض صرح الأسرة ، بكلمة يدخل الإنسان الجنة ، وبكلمة يخرج منها"
    كم منا من ايقضت عزمه كلمه من استاذ.. فتحت له ابواب العلوم.. فصرنا كلما نذكرهم ندعوا لهم بخير

    فعلا.. الكلمة سلاح.. واداة بناء

    ردحذف
  2. أهلا بك صديقي أسامة ..
    نعم ، لأساتذتنا سقى الله أيامهم كلمات قلائل ، حفرت في أعماقنا الكثير من المعاني العظيمة . شكراً لهم .

    وشكراً مرورك يا جميل .

    ردحذف
  3. ما أحوجنا إلى ما ضمنته مقالتك الراقية، دمت في رقي ..!

    ردحذف
  4. ما أحوجنا إلى ما ضمنته مقالتك الراقية، دمت في رقي ..!

    ردحذف
  5. أهلا أمي الغالية ، شكراً لك حسن ظنك ، منكم تعلمنا ومن نهركم نهلنا !.

    ردحذف