الخميس، 6 أكتوبر 2016

التنظيم العضوي

نتحدث عن التنظيم بصفته أحد العمليات الإدارية الأربعة الكبرى ، التخطيط ، والتنظيم ، والقيادة ، والتحكم . ونعني به الشكل الذي ستبدو عليه المنظمة والذي ينظم الهيكلية ومراكز اتخاذ القرار والمسؤوليات والسلطات والمناصب في أي مؤسسة . 

قبل الخمسينات الميلادية تم الاختلاف في أي النظريات والأنواع التي يصلح تطبيقها في التنظيم ، أهو التنظيم القائم على المركزية؟ أم اللامركزية ؟ هل هو النظام المرن أم الصارم ؟ هل يتم استخدام نطاق إشراف عالي أم منخفض ؟ وغيرها من التساؤلات . إلى أن جاء العالمان توم بورنز وستالكر في منتصف الخمسينات بفكره مفادها أنه لا يوجد نظرية أو نوع واحد من التنظيم هو الأفضل ! بل اعتمدوا على ما يسمى النظرية الشرطية/الموقفية التي تقول أن لكل حالة أو ظرف تصرف مناسب يتم العمل به بالنظر إلى الظروف والأحوال في البيئة المحيطة ، والعمل على التكيف مع هذه الظروف حتى يتم الوصول إلى الهدف المنشود . فقسم العالمان التنظيم إلى قسمين :

(1) تنظيم آلي (ميكانيكي)
(2) تنظيم عضوي (حيوي)

تم استلهام هذا النموذج من الطبيعة ، حيث نجد أن في (عالم الآلات) تتم الحركات والانتقالات فيها بصرامة وبنتائج محسومة ودقة عالية  ، فلو نظرت إلى الساعة -مثلاً- تجد أن فيها إحكام شديد فلا تكاد تخطئ أو تعطي نتائج غير دقيقة إذا كانت فيه حالة جيدة ، أما (عالم الأحياء) أو ما يسمى بالعالم العضوي ، فنجد أنه على العكس من ذلك فهو عالم من التفاعلات والفوران الحيوي والنتائج فيه غير المحسومة وصعبة التوقع ونجد كذلك أن له خاصية المرونة والتكيف ، فالطير على سبيل المثال ينتقل من غصن إلى غصن بشكل عفوي ولا نستطيع التنبؤ في أي غصن سينتقل وأي طعام سيأكل ، ناهيك عن ما يحدث في جسمه من عمليات هضم ونبض ودرجة حرارة ونمو وغير ذلك من تغيرات غير منتظمة وتعتمد على عوامل شديدة التعقيد .

وكذلك عالم المنظمات فهي مقسمة إلى قسمين منظمات عضوية organic organisation ، ومنظمات آلية mechanistic organisation ، فالمنظمات التي تعتمد النموذج العضوي نجد أنها تتمتع بمرونة عالية وقدرة على التكيف أما التي تعمل بالنموذج الآلي ففيها صرامة شديدة في الإجراءات وأساليب العمل ، أيضاً العضوية لديها (لامركزية) في اتخاذ القرار أي أن كثير من القرارات مفوضة إلى المستويات الدنيا من الهرم التظيمي وليست المستويات العليا ، أما الآلية ففيها (المركزية) التي تتركز فيها صلاحيات اتخاذ القرار عند أعلى الهرم التنظيمي . غير ذلك نجد أن العضوية تتمتع بالاتصالات غير الرسمية بمعنى أن الجميع يتواصل مع الجميع إلى حد ما ، أما الآلية فهناك بروتوكولات خاصة للاتصال وتستخدم كثيراً التواصل الكتابي أكثر من الشفهي . فرق آخر هو أن التنظيم العضوي اعتماده على التخصص أقل من اعتماد التنظيم الآلي عليه . أيضاً العضوي فيه عنصر الغموض وصعوبة التنبؤ أعلى ، لكثرة المتغيرات التي تصاحبه ، أما الآلي ففيه إمكانية عالية للتنبؤ ومعرفة أن العمل الفلاني سيعطي النتيجة الفلانية . المنظمات العضوية تعتمد على الخبرة والكفاءة والمعلومات التي لدى الشخص وقدراته ومهاراته ، أما التنظيم الآلي فاعتماده الأكبر على القواعد والإجراءات وإتقان الموظف لعمليات محددة . 

يبدوا لي أن هذه المقارنات قد أوضحت الفرق بين النوعين ، يبقى بعد ذلك السؤال : ما هو الأفضل للمنظمة هل هو اعتماد التنظيم العضوي أم الآلي ؟ أظنك قد عرفت الإجابة ، وهي أنه لا يوجد أسلوب الأفضل ، كله يعتمد على الظروف والحالات التي تعيشها المنظمة ! سؤال آخر : مالعوامل التي تجعلني أختار أحد هذي النوعين ؟ درس العالمان هذه المسألة بتأمل فوجدا في الغالب أن المؤسسات ذات المحيط (المستقر) يلائمها التنظيم الآلي ، أما المؤسسات ذات المحيط (المتغير) فيلائمها التنظيم العضوي ، ولنضرب على ذلك مثالين :

أحدهما (وزارة حكومية) والثانية (شركة إنتاج جوال) ، فنجد أن الوزارات غالباً ذات محيط مستقر ، العملاء هم العملاء والخدمة هي الخدمة فلا يوجد فيها جديد على المدى القريب على أقل تقدير ، لذلك من الأنسب لها العمل وفق إجراءات محددة وهياكل واضحة وقنوات اتصال رسمية مع وجود قدر معقول من المرونة يسمح بتدفق المعاملات وهذه هي خصائص التنظيم الآلي . أما المثال الثاني  شركة إنتاج الجوال فهي ذات محيط متغير بل سريع التغير ! ، ففي كل يوم تظهر تقنيات جديدة ، وأساليب جديدة ، فسيكون من القاتل لمؤسسة كهذه أن تعمل وفق التنظيم الآلي ، لأنها ببساطة ستتأخر عن ركب مواكبة الجديد ، فهي تحتاج إلى قدر كبير من المرونة وفتح قنوات الاتصال غير الرسمية مع استقطاب الكفاءات والتدريب المكثف وتفويض الصلاحيات وغيرها ، ونستثني من ذلك خطوط الإنتاج الكبير في مصانعها التي تباشر العملية التصنيعية فهذه تعتمد التنظيم الآلي ، فحديثنا هنا منصب على العمل المكتبي والإداري . 

من المهم أن نذكر أن التنظيم العضوي درجات ، والآلي درجات ، فلا يوجد منظمات عضوية 100% أو آلية 100% ، إنما حسب اقترابها من أحد النوعين يتم الحكم عليها ، وكذلك المنظمات لا تكون طبيعة العمل فيها واحدة لدى كل أقسامها خصوصاً الشركات الكبرى بل تتراوح من قسم إلى قسم ويتم الحكم عليها من خلال الصورة العامة أو ما يغلب عليها .

هكذا تعرفنا على التنظيم العضوي والفرق بينه وبين الآلي ، ومتى يستعمل ، وهذا سيفيدنا كثيراً حين نختار النموذج المناسب الذي سيتم به تصميم المؤسسة ، أو حين ننتبه إلى خلل ما حين نرى أنه قد تم استخدام النموذج الخاطئ الذي لا ينسجم مع طبيعة المحيط ، فنقوم بإدخال تحسينات تعديلات عليه حتى يكون في المسار الصحيح ، والله ولي التوفيق . 

عبدالله يوسف العريفي
الخميس 5 محرم 1438 هـ

هناك 3 تعليقات:

  1. كلام جميل جدا.. المشكلة ان كثير من الشركات التي تحتاج المرونه..تتوجه للتنظيم الزائد والمركزي.. مما يأخر العمل والإنتاجيه

    ردحذف
  2. هو كما تفضلت به سيدي .. شكراً لك

    ردحذف
  3. ما اسم المرجع لو سمحت ؟

    ردحذف