الخميس، 13 أغسطس 2020

!Childhood in the United States

إذا ما سألت أحدهم عن أول شيء يذكره في بدايات طفولته تريد بذلك أن تصل إلى أبعد نقطة في ذاكرته ربما سيذكر أمور متفرقة في سنوات الروضة والتمهيدي. وإذا ما سألته عن الفترة التي تبدأ فيها الذكريات في الوضوح ربما كان بعد ذلك.. يؤثر في الإجابة على تلك الأسئلة -كما أحدس- على مقدار التغير الذي حدث في حياته ، فطبيعة التغييرات الكبيرة والمفاجئة أن تكون بارزة بحيث تكاد تمحوا ما قبلها .. دعوني أقول لكم قصتي:

طفل كان يعيش في أحضان والديه نشأ في أسرة متوسطة الحال في مدينة الأحساء، دخل في الروضة مع الأطفال الذين في عمره عاش سنوات هادئة..  ينظر ما حوله ويبهره العالم الذي حوله يرى فيه مكاناً للدهشة والاستكشاف ، في ذلك الوقت حضي والده ببعثة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليكمل دراساته العليا لينال بها درجة الدكتوراه فيما بعد، لا تزال الصور والمشاهد التي حفت بتلك الرحلة منطبعة في ذهنه ، لايزال يذكر حين كان والده يوماً يقول له : سنذهب إلى أمريكا! لا يعلم ما هي أمريكا وماذا يعني السفر إليها..  إلا إن دهشة تملكته فهو لأول مرة يدرك معنى أن الإنسان قد ينتقل إلى مكان آخر بعيد شيء كان في ذلك الوقت يشكل له نوع من الغرابة، لم يكن يدرك تماماً أن هذا يشكل في حد ذاته تحولاً في حياته، منحه الكثير من الفرص التي لا يحظى بها أي طفل في مثل سنه، فمن يحصل له أن يعيش طفولته في بلد الأحلام، تأتي هكذا كهدية مجانية! THE USA .

هي فرصة إلا أن الصورة لم تكن بتلك الوردية كما يظنها الظان، إنها تجربة حياتية كاملة فيها السعادة والحزن والخير والشر والنشوة والألم والحلوة والمرة كما يقولون ، إنها طفولة كاملة، كأي طفولة وبما أنها حملت هذا الاختلاف شكلت طبيعته بصورتها الخاصة التي أفرغتها فيه بكل ملامحها ، تلك البلاد -شاء أم أبى- جزء منه ومن تكوينه وتاريخه ليس بحكومتها وبروقراطيتها فهذا لا يعنيه في صغير أو كبير إنما بذلك التواصل المباشر مع الطبيعة بتلك الدهشة التي تزرعها فيه البنايات والطرق وكل الأشياء.

قلنا أنه لم يكن يدرك ما هي أمريكا وماذا تعني؟ هل هي دولة نائية وصغيرة أم هي أحد الدول الصناعية ، أم هي الدولة التي تفخر أنا اليوم تمتلك أكبر جيش وأسطول بحري وتسيطر على التجارة العالمية وأسواق النفط! أمريكا بالنسبة إليه لا تعني شيئاً من هذا، إنها خانة فارغة في دماغه ، أو إن شئت فقل علامة استفهام عائمة فوق رأسه الصغير!

تعود به ذكرياته إلى أيام وداع الوطن حينما انتقل مع عائلته من الأحساء إلى الرياض حيث أن الطائرة التي ستأخذهم إلى مطار نيويورك ستقلع من مطار الملك خالد الدولي ، يذكر الليالي التي باتوا فيها في فندق الشيراتون ويذكر تماماً الطائرة وشعار خطوط الطيران السعودي ، حين كان طابعها باللون الأخضر ، يذكر تماماً تجربة الطائرة الغريبة لم يكن يشعر بالخوف بقدر ما شعر بالإثارة!

حطت الطائرة في مطار نيويورك.. أجواء جديدة تماماً ، برد له طابعه الخاص، وأناس يرتدون ملابس مختلفة، إنه شعور جديد . 
طائرة أخرى تأخذ العائلة الصغيرة المكونة من والدين وولدين وبنت إلى المدينة التي سيدرس والده في جامعتها العريقة . وفي الطريق غط في نوم عميق..

عمره خمس سنوات يذكر حينما استيقظ من النوم في الليل في غرفة داخل شقة غريبة، توجه بقدميه الصغيرتين نحو الباب وفتحه وشاهد، كان المشهد محبطاً بعض الشيء ظلام وسيارة واقفة أمام البيت . أكمل نومه واستيقظ صباحاً ، وشاهد أمريكاً!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق