الأربعاء، 28 ديسمبر 2016

رسالة إلى صديقي

أخي العزيز (م)،
تحياتي الحارة لك في أي مكان كنت

قد طالت غيبتك عني، واشتقت لك كثيراً، لكي أراك وأتحدث لك عن أشياء، وأسمع منك أشياء. وللأشواق اضطرام! الساعة الآن 2 صباحاً ولم أخطط تماماً ماذا سأكتب في الرسالة، لكن ملامحها العامة منطبعة في مخيلتي.

مضيت معك في طريق الحياة، أشقه وتشقه زمناً، حتى بلغنا ساعاتنا هذه، وتحملت مني وتحملت منك، وما بقي بيننا إلا صافي المودة وطيب العشرة، وهذه جملة من النصائح، ولست من الذين يحسنون النصيحة، ومجموعة من الوصايا ولست ممن يجيدون إلقاء الوصايا، لكن هذه أحكام الصداقة وسننها أن ننتصح وننصح، ونتعلم ونعلم.
أليس كذلك؟
 آمل ألا تكون تلك النصائح ثقيلة، أنا أعلم أنك تحبها وتستفيد منها ويتسع لها قلبك الجميل مهما كانت دسمة.

بعد الوصية بتقوى الله وهي باب التوفيق والفلاح، القراءة. القراءة يا صاحبي، البوابة الملكية للمعرفة العظيمة. هذه العادة لو سلخت من كل يوم من أيامك نصف ساعة لمطالعة كتاب أو التجول في مكتبة أو تصفح موسوعة أو اجراء بحث. فهذا يجعل منك إنسانا مختلفاً في سنة أو بضع سنوات. مختلف بكل ما تعنيه الكلمة من معنى! وعفواً لا تقل لي أن وقتك لا يسمح، فلو قلت هذا وقد كنت تدير عدة شركات وتعول 4 أسر لما عذرتك. فكيف وأني أعلم أنك مبارك الوقت متسع الفراغ؟ لا تستحي أن تحمل كتابك الصديق في كل مكان، في الجامعة والبيت والمسجد والشارع والمطعم والمقهى، نعم لا أبالغ ولا بأس بغسل الوجه بشيء من المرق، وتستمتع وأنت تتجاهل تعليقات السخرية من حولك، فالكتاب يستحق هذا وأكثر!

ثانياً، تغذية البعد الروحي، وقد دلتني التجربة بعد توفيق الله إلى عادات تغذي ذلك البعد، فمقدار من تلاوة القرآن ولو لم يجاوز الخمس دقائق يومياً تحفظ لك توازنك الروحي. ومقدار آخر من التأمل في عظمة الكون، وشيء من الصدقة بالريال والريالين. والكرم بالابتسامة والعواطف الجياشة للغير، وحمام التسامح اليومي، والعطاء المجاني والكثير، والانخفاض للوالدين وتوفير الخدمات لهما، كل ذلك يعيد شحن بطاريتك العميقة ويشعل فتيل القلب ويوقد مصابيحه النورانية التي تضيء طريقك وتجلو وحشة صدرك وتذكي وقود أعصابك لتعود إلى الحياة أقوى وأنقى.

ثالثاُ، الابتعاد عن المتنطعين أصحاب التزمت، فإني لا أحتاج أن أوصيك بأصحاب السوء لأنك تعرفهم جيداً، لكن أولئك المتزمتين الذين طالما بدوا بصورة الناصح الأمين وصاحب الدين، كان الوصية باتقائهم متأكدة، فهؤلاء الذين ما خيروا بين أمرين إلا اختاروا أعسرهما وما خيروا بين طريقين إلا اختاروا أضيقهما، تركوا أكثر الحلال لكيلا يقعوا في بعض الحرام، وقاعدتم الأصل في الأشياء الحرمة إلا ما دل الدليل على إباحته وإن لم ينطقوا بها لكنها لسان حالهم، وحسبوا أنهم أهل الله وخاصته من دون الناس. فالابتعاد عنهم سلامة وغنيمة والقرب منهم مضر بدنيا الإنسان ودينه وهو ذريعة الغلو والتكلف، فإن صاحبت أصحاب الدين؛ فاصحب صاحب القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه، المتزن المعتدل في مزاجه وسلوكه، الواعي بأحوال الإنسان وظروفه ومحدوديته، المدرك لحكمة الشرع ومقاصده وعظمته، الميسر لدعوته، المبشر المتسامح في طبيعته.

رابعاً، تذكر هدفك الأسمى من كل ذلك من كل حركاتك وسكناتك فالهدف الأسمى لك هو أن يكون هواك تبعاً لما جاء به سيد البشر، فدينه جاء لتوحيد العبادة لله، العبادة بمعناها الخاص والعبادة بمعناها الحياتي العام، فالعبادة لا تقتصر على الصلاة والصوم والحج، وإن كانت هذه الصورة أعظم العبادة ولا يجب شيء كما يجب العناية بها، ولكن اعلم يا صاحب، أن الحياة كل الحياة ميدان للعبادة!  كل عملك الصالح عبادة وحتى المباح يستحيل عبادة إذا جاءت معه نية طيبة. فروض هذا الهوى، وزك تلك النفس بشكل يومي، وتعاهدها كما تتعاهد غرفتك وسيارتك بالتنظيف، وإليك طريقها فهو المحاسبة الذاتية والمراقبة بعينين مفتوحتين إلى خبايا النفس ودهاليزها بعمل قلبي دؤوب لا يهدأ. وتجديد الإنابة والأوبة إلى رب رحيم كريم.

ختاماً، من محبة واسعة لك لا تعلم مداها ولا تقدر منتهاها، أرسلت لك الرسالة نسخة لك ونسخة لي ومعها باقات الورد الأبيض. لعلها وجدت إليك مدخلاً، وشقت إلى وجدانك طريقاً، فنلتها بالاستحسان وعين الرضى، وشفعتها بإيقاعها في حياتك العملية.

كل التوفيق لك يا صاحب،

صديقك عبدالله

هناك تعليقان (2):

  1. رائع جداً أبا عمر
    وفقكم الله

    سليمان البواردي

    ردحذف
  2. نورت بمرورك أيها الشهم ..
    وإياك ..

    ردحذف